سورة الرعد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الآية. نزلت في نفر من مشركي مكة؛ منهم أبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية؛ جلسوا خلف الكعبة وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم، فقال له عبد الله بن أبي أمية: إن سرَّك أن نتبعك فسيِّر جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسح، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، لنغرس فيها الأشجار ونزرع، ونتخذ البساتين، فلستَ كما زعمت بأهون على ربك من داود عليه السلام حيث سخَّر له الجبال تُسبح معه، أو سخِّر لنا الريحَ فنركبَها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع في يومنا، فقد سُخرت الريحُ لسليمان كما زعمتَ، ولستَ بأهون على ربك من سليمان، وأَحْيِ لنا جدَّك قُصَيّاً أو مَنْ شئت من آبائنا وموتانا لنسأله عن أمرك أحقٌّ ما تقول أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولستَ بأهون على الله منه فأنزل الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} فأذهبت عن وجه الأرض، {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ} أي: شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} واختلفوا في جواب {لو}:
فقال قوم جوابه محذوف، اكتفى بمعرفةِ السامعين مرادَه وتقديره: لكان هذا القرآن، كقول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله *** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أراد: لرددناه، وهذا معنى قول قتادة قال: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
وقال آخرون: جواب لو مقدَّم. وتقدير الكلام: وهم يكفرون بالرحمن {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال} كأنه قال: لو سيرت به الجبال {أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا، لما سبقَ من علمنا فيهم، كما قال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} [الأنعام- 111] ثم قال: {بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا} أي: في هذه الأشياء إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.
{أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قال أكثر المفسرين: معناه أفلم يعلم. قال الكلبي: هي لغة النَّخَع.
وقيل: لغة هوازن، يدل عليه قراءة ابن عباس: {أفلم يتبين الذين آمنوا}.
وأنكر الفراء أن يكون ذلك بمعنى العلم، وزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول: يئست، بمعنى: علمت، ولكن معنى العلم فيه مضمر.
وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا في أن يفعل الله ما سألوا فيؤمنوا فنزل: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني: الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من إيمان هؤلاء، أي لم ييئسوا علما، وكلُّ مَنْ علم شيئاً يئس من خلافه، يقول: ألم ييئسهم العلمُ: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}.
{وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا} من كفرهم وأعمالهم الخبيثة {قَارِعَةٌ} أي: نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء، أحياناً بالجدب، وأحياناً بالسلب، وأحياناً بالقتل والأسر.
وقال ابن عباس: أراد بالقارعة: السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم إليهم.
{أَوْ تَحُلُّ} يعني: السرية والقارعة، {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} وقيل: أو تحلُّ: أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قريبا من ديارهم، {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} قيل: يوم القيامة. وقيل: الفتح والنصر وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه. {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} وكان الكفار يسألون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء فأنزل الله تسليةً لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ}.


{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما استهزؤوا بك، {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أمهلتهم وأطلت لهم المدة، ومنه المَلَوانِ وهما: الليل والنهار، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار، {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي: عقابي لهم.
{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي: حافظها، ورازقها، وعالم بها، ومجازيها بما عملت. وجوابه محذوف، تقديره: كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} بينوا أسماءهم.
وقيل: صِفُوهم ثم انظروا: هل هي أَهْل لأن تُعبد؟
{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ} أي: تُخبرون الله تعالى: {بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ} فإنه لا يعلم لنفسه شريكاً ولا في الأرض إلها غيره، {أَمْ بِظَاهِرٍ} يعني: أم تتعلقون بظاهر، {مِنَ الْقَوْلِ} مسموعٍٍ، وهو في الحقيقة باطل لا أصل له.
وقيل: بباطل من القول: قال الشاعر:
وعَيَّرني الواشون أني أحبها *** وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها
أي: زائل.
{بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} كيدهم. وقال مجاهد: شركهم وكذبهم على الله.
{وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} أي: صرفوا عن الدين.
قرأ أهل الكوفة ويعقوب {وَصُدُّوا} وفي حم المؤمن {وَصُدَّ} بضم الصاد فيهما، وقرأ الآخرون بالفتح لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج- 25]، وقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل- 88 وغيرها].
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} بخذلانه إياه، {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.


{لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالقتل والأسر، {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ} أشد، {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} مانع يمنعهم من العذاب.
قوله عز وجل: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي: صفة الجنة، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} [النحل- 60] أي: الصفة العليا، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أي: صفة الجنة التي وعد المتقون أن الأنهار تجري من تحتها.
وقيل: {مثل} صلةٌ مجازُها {الجنة التي وُعد المتقون تجري من تحتها الأنهار}.
{أُكُلُهَا دَائِمٌ} أي: لا ينقطع ثمرها ونعيمها، {وَظِلُّهَا} أي: ظلها ظليل، لا يزول، وهو ردٌّ على الجهمية حيث قالوا إن نعيم الجنة يفنى.
{تِلْكَ عُقْبَى} أي: عاقبة {الَّذِينَ اتَّقَوْا} يعني: الجنة، {وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} يعني: القرآن، وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} من القرآن، {وَمِنَ الأحْزَابِ} يعني: الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم اليهود والنصارى، {مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} هذا قول مجاهد وقتادة.
وقال الآخرون: كان ذكر الرحمن قليلا في القرآن في الابتداء فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكره في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة، فلما كرر الله ذكره في القرآن فرحوا به فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} يعني: مشركي مكة حين كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلح: بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله عز وجل: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء- 36] {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد- 30]. وإنما قال: {بعضه} لأنهم كانوا لا ينكرون ذكر الله وينكرون ذكر الرحمن.
{قُلْ} يا محمد، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} أي: مرجعي.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10